في ساعات الليل الحالك، وبريق النجوم، وأنين الأشجار، أجلس أنا لأعدّ بعضا من حفنات الدّهر، وحبيبات من الدنيا، فأستعيد شريطا من الذكريات في مخيلتي، وأتأمّل لوحات من الدنيا في خلدي، وأقف على عتبة الزمن، وأقرع اجراس القدر، لتفتح لي أبوابا من الحياة...كانت تلك انا من كتبت تاريخي، ودوّنت معالمي على أحجار من الماضي، وأخذت ارسم خطوطا لوّنت دربي...ترى اين ولّت أحاسيسي؟!! أين رحلت مشاعري؟!! مالي أحسّ أنني وجدان ضائع!! أين أنت يا قلبي؟!! مالي لا أرى وميضا من جوفك، ولا أسمع صريرا من أحشائك؟!!! تعبر أيام في خاطري، لتخلّف وراءها نسمات من الفراغ، ورياح من الألم، تعصف في ذاكرتي بلحظات...بين الحين والحين...والفينة والفينة...كانت تلك نواقيس من الأحداث ضربت في عقلي، ورنّت في أذني، بل رسائل من ذاتي سرت في جسدي...مفقود هو الشعور، وتائه هو الحاضر، وخائن هو قلبي، وحاكم هو عقلي، وعبد انا، بلى عبد انا...اسمعيني يا أيام، وشاهديني يا ليال واحضرني أيها الدهر: كنت في الماضي رواية ولّت أحداثها، ومضت كلماتها، واندثرت شخوصها، وذهب زمنها في مهب الريح، أمّا الآن، فأنا صخر على جبل شامخ، رصين ثابت، أعلو التراب، لا يحركني انجراف، ولا يؤججني مطر، ولا تضعفني رياح، وتلك لعبة التّحدي، فاما أنا أو أنا...